• ماجدولين

مصطفى لطفي المنفلوطي

اقتباس من رواية ماجدولين:

  • ولا عهد لي بمثله، فأظل أنتقل من مكان إلى مكان، وأفر من الحديقة إلى المنزل ومن المنزل إلى الحديقة، كأنني أفتش عن شيء، وما أفتش عن نفسي التي فقدتها ولا أزال أنشدها، فإذا نال مني التعب أريت إلى أشجار الزيزفون في الحديقة لأستريح في ظلالها قليلاً، فلا يكاد يعلق نظري بأول زهرة يروقني منظرها من بين أزهارها حتى أشعر كأني أنتقل من هذا العالم شيئاً فشيئاً إلى عالم جميل من عوالم الخيال، فأتغلغل كما يتغلغل الطائر المحلق في غمار السحب، وتمر بي على ذلك ساعات طوال لا أعود بعدها إلى نفسي إلا إذا شعرت بسقوط الكتاب من يدي، فإذا استفقت وجدتني لا أزال في مكاني، ولا يزال نظري عالقاً بتلك الزهرة الجميلة التي وقفت عليها.
  • يقولون إن فصل الربيع في فصل الحب، وإن العواطف تضطرم فيه اضطراماً فتأنس النفوس بالنفوس، وتقترب القلوب من القلوب وتمتلئ الحدائق والبساتين بجماعات الطير صادحة فوق زواهر الأغصان، وجماعات الناس سائحة بين صفوف الأشجار، أما أنا فلا أصدق من كل هذا شيئاً، فإن أجمل الساعات عندي تلك الساعة التي أخلو فيها بنفسي فأناجيها بهمومي وأحزاني وأذرف من العبرات ما أبرد به تلك الغلة التي تعتلج في صدري.
  • وأعجب ما أعجب له من أمر نفسي أنني أبكي على غير شيء، وأحزن لغير سبب، وأجد بين جنبي من الهموم والأشجان ما لا أعرف سبيله ولا مأتاه، حتى يخيل إلي أحياناً أن أعارض من عوارض الجنون، قد خالط عقلي فيشتد خوفي واضطرابي.
  • إن الذين يعرفون أسباب آلامهم وأحزانهم غير أشقياء لأنهم يعيشون بالأمل ويحيون بالرجاء، أما أنا فشقية لأني لا أعرف لي.
  • إنا نبتنا معاً يا استيفن في قرية واحدة، تحت سماء واحدة يظنونا ماء واحد بوجه واحد، وما زلنا كذلك حتى شيئاً اختلفنا معه كما تختلف الشجرتان المتجاورتان في كل من الثمرة والشكل، ولذلك فأنت نفر من القرار كله وتقبض مني، ولا تراني أملك فجاً من فجاج الأرض، ولا سلكت فجاً غيره، ولأنك أصبحت تسعد إلا سلكت فجاً غيره.

دار النشر نهضة مصر للطباعة والنشر
تاريخ النشر 2017
عدد الصفحات 112
القسم
ملاحظات للإبلاغ عن رابط لا يعمل أو كتاب له حقوق

تعليقات الفيس بوك