• كائن يمرح في العدم

فيصل الحبيني

مقدمة عن كتاب كائن يمرح في العدم:

السلام عليكم أيها العالم، واعذرني فقد جئت متأخراً إلى احتفالك الكبير، إنه في القرن الواحد والعشرون، ولقد تأخرت تاريخاً بأكمله، وفاتني ما فاتني من الوساخة والبهاء، لقد سبقني حشد من القتلة والقديسين والمهرجين، ولكني وصلت أخيراً، مدفوعاً بتيارات الزمن، من وادي العدم، هذا إذاً المكان الذي نزح الجميع إليه، هذا ما يسمى بالعالم آه أي خيبة في هذا.

جئتك عربياً مذعوراً في ظلمات الألفية الثالثة، وأقطن أرضاً تشبهني قاحلة يثقلها الزيت الأسود في باطنها أرضاً متطرفاً، ولا يشبعها حسوى الصيف والشتاء، ولا تستلذ بأنصاف الفصول، وعندما طالبنا بحقنا من الربيع، وولدناه أخيراً من رحم الخيبة، جاء ربيعنا ليقطف أعمارنا، ويرمي الزهور على رمس قبورنا.

جئت بيدين، لتربت الواحدة على كتف الأخرى، أذنين على الرأس، وألف أذن في داخله، قلب كقبضة يد، يحمل الكون في باطنه، لم أزلف إلى الوجود إلا على قرع البكاء، وضجيج الصراخ، أي خير في حياة تبدأ بمشهد أم تتعدذب، لقد كانت ولادتي، أول خطواتي نحو الموت، أيها العالم لقد دختلك فرداً فكيف صرت الآن حشداً.

يا أيها الأنبياء، يا رجال السماء، لم توقفتم عن المجيء، أترانا الآن أفضل حالاً، العالم في حاجة لكم، أكثر من أي زمان مضى، أتكونون قد ضجرتم من التمسك بالأمل، فالمكان على كل حال، قديم ولا رجاء منه، أم أنكم ما تزالون بيننا، وما زلنا نضطهدكم، نحن قتلة الأنبياء، كما اعتمدنا.

كم قتلنا، وكم قتلنا باسم رسالتكم، أتذيقوننا الماء، ثم تتركونا عطشى في قلب البحر، أكانت مهتمكم إنقاذنا من الهلاك، أم إنقاذ الرب من النسيان، لقد ولت السكينة عند الهبوط، ومات الأمل مع هابيل

أردت أن تحفظ الأرض من الفيضان يا نوح، ولكنك حملت في مركبك بذرة الطوفان، لقد حملت معك الإنسان، لقد صفعنا أيها المسيح، فمددنا خدنا الآخر كما علمتنا، مؤمنين بالتسامح طامعين بالسلام، أيها المسيح، ما زلنا نتلقى الصفعات.

أيتها البشرية بودي أنا القادم الجديد، أن أحاوركم جميعاً، أن أصافح كل واحد منكم وأقدم نفسي أنا نزيل جديد، ولا أدري ما الذي أتى بها إلى هنا، والغربة لا تطاق، لنكن أصدقاء، غير أن الوقت لا يسعف للحديث، فالنهار ضيق، وعملنا طويل، إذ ما يجيء المرء إلى العالم، حتى يبدأ بالتفتيش عن غايته والعمر كله لسوء حظنا لا يكفي لأي وصول.

بودي أن أخاطب كل شجرة، كل حجر، كل وحش بري، فجميعهم شاركوا في صنع هذه الكارثة الهزلية، المسماة بالتاريخ، وجئت أنا اليوم لاستلم عار الدور، وأمضي بالمواكب قدماً، إلى هاوية آخر الزمان.

يا الله يا أكثر من أحب ويا أكثر من أفتقد، ويا حبيب القديسين، يا إله المجرمين يا صديق الأطفال يا أمل العجائز، كم حرمونا من الحياة باسمك يا واهب الحياة

دار النشر مسعى للنشر والتوزيع
تاريخ النشر 2014
عدد الصفحات 128
القسم
ملاحظات للإبلاغ عن رابط لا يعمل أو كتاب له حقوق

تعليقات الفيس بوك